إن الجهاد الإلكتروني لا يختلف من حيث طبيعته وقيمته عن الأنواع الأخرى من الجهاد، كالعسكري والاقتصادي والسياسي والإعلامي، بل يلتقي معها في أكثر من قاسم مشترك، وفي أحيان كثيرة يخدمها على المستوى الدعائي والإعلامي، أو بالأحرى يستمد حقيقته منها جميعها، ليبلور رؤية جهادية جديدة تواجه العدو فكريا واقتصاديا وإعلاميا. من هذا المنطلق فإن مصطلح الجهاد الإلكتروني يطلق على ذلك النوع من الجهاد، الذي يسعى إلى مواجهة العدو بنية حماية الإسلام عقيدة وهوية ومقدسات وأرضا وشعوبا... عن طريق توظيف مختلف آليات وبرمجيات التكنولوجيا الرقمية، عبر شبكة الإنترنت الدولية، قصد توعية الناس، وفضح الأعداء، والدعوة إلى مقاطعتهم، وضرب مصالحهم ومواقعهم الإلكترونية الحساسة، وغير ذلك.
هكذا يتضح أن أسلوب الجهاد الإلكتروني يختلف جذريا عن أساليب الأنواع الأخرى من الجهاد، فهو يستفيد من المكاسب التكنولوجية الهائلة التي حققها الإنسان في العقود الأخيرة، فالمجاهد الإلكتروني لا يواجه عدوه في ساحة الوغى، ولا يتسلح بالسيف أو الكلاشينكوف، ولا يهاب غدر العدو وتنكيله، وإنما يجلس في بيته خلف شاشة الحاسوب، وهو يرشف من فينة إلى أخرى من قهوته المفضلة الساخنة، مبحرا في عالم الإنترنت الممتد واللا نهائي، وهاجسه الوحيد خدمة الإسلام والمسلمين بشتى الوسائل الإلكترونية والدعائية والإعلامية، التي يتسلل من خلالها إلى ما لا يحصى من القراء والمتلقين، فهو في عمله هذا مثله مثل ذلك المجاهد بالقلم والفكر، غير أنه يختلف عنه من حيث تأثيره السريع في جمهور عريض، واستهدافه المحتمل لبعض مصالح العدو الرقمية.
حقا إنه شتان ما بين من يجاهد بنفسه في ميدان المعركة، ومن يجاهد خلف شاشة الكمبيوتر بعيدا عن أي خطر أو تعب، إلا أنه كما تمت الإشارة فالجهاد مراتب ومستويات، إذ كل واحد يجاهد من الموقع الذي يوجد فيه، وحسب الإمكانات التي تتوفر لديه، وما دام أن الجهاد صار فرض عين في ظل العدوان الصهيوني الجديد على فلسطين، فيتوجب على كل مسلم أن يشارك فيه حسب استطاعته، وكل من يلوذ بالصمت وهو يدرك أنه يمكن أن يساعد إخوانه المستضعفين والمجاهدين، بالمال أو بالقلم أو بالإعلام أو بالمقاطعة الاقتصادية أو بغير ذلك، فلم يفعل ذلك، فهو مسئول عن موقفه السلبي وحسابه على الله تعالى!
لذلك فإن الجهاد الإلكتروني صار آلية في متناول العديد من الشباب المسلمين، الذين يظلون ساعات متواصلة خلف شاشات الحاسوب، فبدل أن يقضوا أوقاتهم في المراسلات الكلامية السخيفة وألعاب التسلية المجانية، يمكن توظيف معرفتهم وأوقاتهم وجهودهم في خدمة الأمة الإسلامية عن طريق الجهاد الإلكتروني، بالمراسلات التعريفية بحقيقة الإسلام، والمنتديات التوعوية والدعوية، والمواقع الرقمية التي تفضح الأعداء، والإعلانات الداعية إلى المقاطعة الاقتصادية، وغير ذلك. على هذا الأساس، فإن أي مسلم ينوي أنه يريد أن يجاهد العدو إلكترونيا، يعتبر بشكل أو بآخر مجاهدا، ما دام أنه تتوفر فيه بعض شروط حكم الجهاد، كالنية الصادقة، وهدف خدمة الإسلام والذود عنه، وإن كان بعيدا عن ميدان الحرب، فهو يشارك فيها بطريقة غير مباشرة، ما دام السياق الحالي يقتضي مثل هذه المشاركة الجهادية، ذات الأثر الفعال في العدو.
أعود لأقول؛ رغم أن الجهاد الإلكتروني يختلف عن الأنواع الأخرى من الجهاد من حيث أسلوبه، إلا أنه يظل خادما لها، وأنه بغياب دوره يتقلص تأثير العديد منها، فكيف يخدم الجهاد الإلكتروني الأنواع الأخرى من الجهاد؟
• الجهاد الإلكتروني يخدم الجهاد العسكري من جهات عدة، أهمها أنه يعلم المجاهد الكثير من التقنيات الحربية الحديثة، فيطلعه على الكثير من الأسلحة، وكيفية استعمالها بأسلوب سليم، كما أنه يعلمه كيفية صناعة بعض الأسلحة كالقنابل والألغام والعبوات والمتفجرات، ثم إن المجاهدين الإلكترونيين يكشفون في بعض الأحيان عن بعض الحقائق المتعلقة بوضعية العدو، مثل موقعه وخططه وتحركاته وغير ذلك. هكذا فإن الجهاد الإلكتروني يسعى إلى الكشف عن هذه الجوانب للمجاهدين الميدانيين، إما عن طريق إخبارهم بذلك عبر الرسائل الرقمية، وإما بنشر ذلك في مواقع عمومية، يمكن لكل متصفح للشبكة العنكبوتية الاطلاع عليها، وغالبا ما تتعرض هذه المواقع للتخريب من قبل العدو، إلا أنه سرعان ما يتم فتح مواقع بديلة، وتناقل محتوياتها ونشرها عبر مختلف المدونات والمنتديات.
• الجهاد الإلكتروني يخدم الجهاد الاقتصادي، إذ أن عالم الإنترنت يساهم بقسط وافر في ذلك، فهو ينشر الوعي بالمقاطعة الاقتصادية للعدو، والتوقف عن التعامل مع المؤسسات والشركات والمعامل الثابت دعمها لكل من يهدد الإسلام والمسلمين ويسيء إليهم، كما أنه يعرف القارئ بمختلف السلع والمنتوجات التي تنتجها تلك الشركات وتسوقها بين أوساط المسلمين، دون درايتهم بمساندتها لأعدائهم، لذلك فإن الشبكة العنكبوتية تؤدي دورا رياديا في الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية، عن طريق فتح المواقع المتخصصة في ذلك، ونشر الإعلانات، وتعميم الرسائل على المستخدمين، وتحرير المقالات والبحوث، لا سيما وأنها أصبحت في الظرف الحالي مؤهلة أكثر للتسلل إلى أكبر عدد من الجمهور، على اختلاف أعمارهم ولغاتهم وأوطانهم ومعتقداتهم.
• الجهاد الإلكتروني يخدم الجهاد الفكري، وذلك بإعطاء الكتاب والمثقفين والإعلاميين فسحة أرحب للتعبير عن أفكارهم المناهضة لخطاب الأعداء وسمومهم، إذ كان هؤلاء في الماضي لا يعبرون عن رؤاهم إلا من خلال الكتب أو المنابر الورقية أو الندوات واللقاءات، وكلها وسائل موجهة إلى عدد محدود من المتلقين، في حين أن عالم الإنترنت يجعل الكاتب ينفتح بأفكاره على ما لا يعد من البشر، ليس جهويا أو إقليميا فحسب، وإنما قاريا وكونيا، حتى أن الكثير من حملة القلم أصبحوا يتحولون بالتدريج إلى مجاهدين إلكترونيين!
• هكذا يتأكد أن الجهاد الإلكتروني يقدم خدمة رفيعة ومعتبرة لتلك الأنواع من الجهاد وغيرها، كالجهاد السياسي والإعلامي والنفسي، فهو من جهة أولى يعرف بحقيقتها وأهميتها، ومن جهة أخرى يساهم في نشرها وإفشائها والدعوة إليها، وهذا ما نحن في مسيس الحاجة إليه؛ إذ بالتسلل إلى أكبر عدد ممكن من الناس، وتوعيتهم بهذه الأمور الحساسة ذات الأثر العميق في صراعنا مع العدو الصهيوني، وغيرها من الأعداء العلنيين أو المتخفين، يتأتى لنا تحقيق ولو بعض مقاصد هذه الضروب من الجهاد.
إن الجهاد الإلكتروني في مواجهته للعدو يستخدم مختلف الأسلحة والآليات الرقمية والدعائية والتوعوية، فإذا كانت الأسلحة المعتادة في ميدان المعركة تقتل وتجرح وترهب وتخرب، فإن الأسلحة الإلكترونية تفعل كذلك الفعل نفسه؛ فهي تقتل العدو معنويا، وتجرح نفسيته، وترهب شعبه وجنده، وتخرب مصالحه التجسسية والاقتصادية والاستراتيجية على شبكة الإنترنت الدولية. وسعيا إلى تحقيق مثل هذه الأهداف وغيرها، يوظف المجاهدون الإلكترونيون جملة من الأسلحة والآليات، يتحدد أهمها فيما يأتي:
• الاستيلاء والتجسس: عادة ما يقوم بهذه المهمة خبراء ومخربون مهرة قادرون على اختراق أي شبكة أو أي جهاز، ويدعون في اللغة الإنجليزية (الكراكز) جمع كراكر Cracker، وهي كلمة تعني الكسر والتحطيم، ويمكن لهؤلاء المخبرين أن يوظفوا كفاءاتهم في أمور عدة، قد تنفع المسلمين في قتالهم ضد العدو الصهيوني، فلا يقتصر عملهم على التخريب والسرقة، وإنما يتعداها إلى غايات شريفة، كالتجسس على العدو، والاستيلاء على معلومات مواقعه الاستراتيجية، والتنصت على مكالماته بفك شفرات إشارات أجهزته اللا سلكية والرقمية، وقد شاع أثناء العدوان الصهيوني الأخير خبر تسلل المجاهدين الإلكترونيين إلى موقع وزارة الدفاع الإسرائيلية وبعض المواقع الأخرى الحساسة.
• التخريب والتعطيل: وهذه مهمة تتحقق عن طريق إرسال ونشر الفيروسات، وهي برامج أو جزء في الشفرة التي تلج إلى الحاسوب قصد تخريب محتوياته، وهي تتميز بقدرة التكاثر والتوالد، والانتقال من حاسوب إلى آخر، كما تتميز بالتستر وإخفاء محتوياتها. وثمة أنواع لا تحصى من الفيروسات، كالمتطفلة والمخربة والمرافقة والمستبدلة، وهي تنتقل إلى الحواسيب أو المواقع الرقمية عن طريق الأقراص أو الرسائل الإلكترونية، ويستطيع خبراء الإنترنت تطوير أنواع من الفيروسات، التي يوجهونها إلى أي شخص أو موقع يريدون تدميره أو إصابته بالضرر أو إتلاف بعض معلوماته، ويمكن للمجاهدين الإلكترونيين التفكير في تطوير هذه الآلية وتوجيهها إلى مواقع وعناوين العدو.
• الدعوة إلى المقاطعة الاقتصادية: وهذا أمر لازم وواجب لأنه من خلال الشبكة العنكبوتية يتسنى لنا التواصل مع عدد غفير من المسلمين، وتوعيتهم بقيمة سلاح المقاطعة في صراعنا مع العدو الصهيوني، وينبغي أثناء هذه الدعوة إلى المقاطعة، تذكير المسلمين بأهمية المساندة المادية لإخوانهم المستضعفين في فلسطين وفي غيرها من البلدان الإسلامية الضعيفة والمستهدفة من الأعداء.
• التواصل المستمر مع أكبر عدد من المتلقين المسلمين: عن طريق بعث الرسائل الرقمية، إذ أن أغلب المواقع تتوفر على خدمة الرسائل، كما أن أغلب مستخدمي الإنترنت يتوفرون على مجموعة عناوين إلكترونية، لذلك فالواجب على الجميع الإسهام في بناء جسر للتواصل بين مختلف شرائح المسلمين، وفي كل أنحاء العالم، وبشتى اللغات والتقنيات، هكذا يبقى المسلمون على تعارف دائم ووفاق مستمر وتبادل متجدد للأفكار والآراء.
• بناء مواقع متخصصة في الجهاد الإلكتروني: وذلك في شكل مواقع قائمة بذاتها أو منتديات أو مدونات، تساهم في التعريف بفكر الجهاد الإلكتروني وحقيقته وأهدافه وآلياته، كما تقدم تدريبات للمجاهدين على كيفية استعمال السلاح وصناعته وتطويره.
• إعلانات وملصقات الجهاد: صياغة إعلانات وملصقات ثابتة ومتحركة تدعو إلى الجهاد ضد الأعداء ومقاطعتهم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، ويمكن نشرها وتعميمها على المواقع النزيهة والمساندة والمدافعة عن الإسلام.
• الرد الفوري على حملات الإساءة: تأسيس مواقع رقمية متخصصة في الرد الفوري على كل شبهة أو حملة إساءة واعتداء على الإسلام والمسلمين، لا سيما وأن الكثير من المسلمين يظلون منشغلين بالصراعات الداخلية التي لا تريد أن تنقضي، كالصراع السني الشيعي مثلا، وهي صراعات تكلفهم الكثير من الجهود والأوقات والأموال، في حين لا نصادف مواقع متخصصة في الرد على خزعبلات الملحدين والعلمانيين العرب، أو مواجهة حملات الإساءة الآتية من الغرب.
• تأسيس مواقع رقمية موجهة إلى غير المسلمين: تحدثهم بلغاتهم وألسنتهم، حول حقيقة الإسلام المشوهة، وحقيقة العدو الإسرائيلي الظالم، وحقيقة هذا الصراع الذي يفتعله اللوبي الصهيوني، الذي يستقطب بأكاذيبه وإغراءاته مختلف مكونات المجتمع الغربي، من شواذ ويمين متطرف ومرتدين ومتعصبين وغير ذلك.
• مخاطبة المسئولين في الغرب وفي إسرائيل مباشرة: وذلك عن طريق إرسال الرسائل إلى عناوينهم الرقمية، وفضح حقيقتهم، وشجب الجرائم التي يمارسونها على الشعوب الإسلامية عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، وقد اقترحت إحدى المنتديات العربية الضخمة، وهو منتدى (واتا) هذه الآلية، حيث نشر عناوين أهم الزعماء الإسرائيليين، ودعا أعضاءه إلى مراسلتهم مباشرة.
خلاصة القول،
إن العدو الصهيوني أعلن رسميا انسحابه من قطاع غزة، مروجا فكرة تحقيق أهم أهدافه الاستراتيجية من هذا العدوان الظالم، لكن هل يعني ذلك أنه انتصر في حربه هذه؟ إن الإجابة عن هذا التساؤل هي؛ إما أنه انتصر على مجاهدي المقاومة الإسلامية حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية، كما يزعم ويسوق إعلاميا لضعفاء الفهم والإدراك من الغربيين الداعمين له، والعرب المتواطئين معه، وإما أنه انهزم، وهذا ما تثبت أغلب المؤشرات، لأن أهم ما حققه هذا العدوان، هو تدمير العمران، وقتل المدنيين، وتخريب البنى التحتية، وهدم المدارس والمستشفيات والمساجد، أما صواريخ المقاومة التي كان يحلم بالنيل منها، وتدمير المنصات التي تنطلق منها، والمستودعات التي توضع فيها، فظلت تنطلق من مختلف مناطق قطاع غزة نحو مستوطنات وثكنات ومدن الكيان الإسرائيلي، حتى آخر يوم من العدوان! أليس هذا انهزام من عيار ثقيل لجيش نظامي مجهز بالأقمار الاصطناعية أمام مقاومة تقليدية، لا تملك حتى الماء الكافي لإرواء ظمئها؟!
هكذا فقد كشف هذا العدوان مرة أخرى عن أن العدو أضعف مما نتصور، وأن قوته يستمدها من الفرقة التي نتخبط فيها، والمواقف السخيفة التي تعبر عنها أنظمتنا الجبانة، وسوف يظل هكذا متجبرا متبخترا ينال من ديننا وأرضنا وشعوبنا، كلما سولت له نفسه ذلك، مما يعني أن انسحابه المعلن من قطاع غزة لا يعني أن الصراع معه قد ولى، فهو يصرح دوما بأنه متأهب لأن يتدخل كلما دعته الضرورة إلى ذلك! على هذا الأساس، فإن باب الجهاد خصوصا في بعده الإلكتروني، ينبغي أن يظل مفتوحا على مصراعيه، إذ يتحتم على كل مسلم أن ينخرط في سلكه، اعتبارا بأن الجهاد في أصله لا ينطوي على عداء الآخرين وبغضهم، بقدر ما هو آلية ناجعة لدفع ذلك العداء والبغض، عن طريق مواجهة المعتدين والمسيئين والمستكبرين.
Free Baccarat for Beginners | FEBCASINO
ردحذف› 2021/08/24 › Free › 2021/08/24 › Free Feb 24, gri-go.com 2021 — https://aprcasino.com/pluscasino/ Feb 24, 2021 Free Baccarat is the popular game of the day in which players take a break from If you're a beginner, apr casino you'll want to practice it as well. febcasino